لکل ثقافة عناصرها ومکوناتها التي تشکل في جملتها الشخصية الثقافية للمجتمع أو الأمة، وتبعاَ لاختلاف العناصر والمکونات الثقافية، من ثقافة لأخرى، تتمايز الثقافات وتأخذ کل منها طابعها الخاص وتصبح لکل أمة هويتها الثقافية المميزة.
والثقافة الغنية الحية، هي الثقافة التي تکاملت فيها عناصر أساسية أربعة بمکوناتها الحيوية: (اللغة, والمعتقدات, والقيم, والمعرفة)، کما في الثقافة العربية... فاللغة العربية حية وثرية بمفرداتها وبقواعدها وبإمکانية تطورها ومسايرتها لروح العصر... والمعتقد الديني موجود ولا يحتاج إلى تغيير أو تحديث، لسمو مصدره وغايته، ولمناسبته لکل زمان ومکان. ولا يعني هذا أن باب الاجتهاد قد أقفل، بل هو مطلوب على مستوى التفسير الذى يفترض أن يتناسب مع ظروف العصر ويأخذ فى الحسبان التطور الذى يحدث فى العناصر المعرفية على المستوى الدولي... والنسق القيمي العربي لم يترک صغيره ولا کبيرة من القضايا التي تتعلق بتنظيم حياة اجتماعية إنسانية سليمة إلا وتضمنها، لسمو مصدره، وهو الدين الإسلامي، دين الإنسانية... أما المعرفة, فالتاريخ يشهد بإسهامات العرب بنصيب هام فى تطوير المعارف العلمية وبأخذ الآخرين عنهم(1). کما يشهد والتاريخ المعاصر بإسهامات العرب- ولاسيما المقيمين منهم بالدول المتقدمة- في الحضارة المعاصرة, بالعديد من مجالات المعرفة.
وللهوية والخصوصية الثقافية أهميتها، والمحافظة عليها أمر ضروري، بشرط ألا يؤدى ذلک إلى الجمود. فالثقافة القومية لا تنفک تتجدد ما وجد مثقفون مبدعون يمدونها بالجديد، بل إن العديد من المنظمات الدولية، وعلى رأسها اليونسکو, ترى ضرورة احترام الخصوصيات الثقافية، وتؤکد على ضرورة اتخاذها مدخلاً للتنمية المحلية في العديد من المجتمعات(2).
والمحافظة على الخصوصية الثقافية وتأصيلها تعني التوازن في النظر إلى الثقافة الخاصة، وإلى الثقافات الأخرى. وهذا التوازن يقتضي انتفاء التبعية الثقافية وانتفاء الانبهار الثقافي الدافع إلى المحاکاة والتقليد. وهو يعني في الوقت نفسه ألا تنغلق ثقافة ما على نفسها، فترفض التعامل مع الثقافات الأخرى، وتفتتن بحاضرها أو بماضيها، فتديم النظر إلى نفسها وتتجاهل ما سواها(3).
وتواجه الخصوصيات الثقافية اليوم تياراً جارفاً من العولمة, حيث هيمنة المجالات المختلفة للثقافة والحضارة العلمانية الغربية على العالم. والخطر الأکبر للعولمة في حقيقة الأمر هو خطر ثقافي، لأنها قد تسبب انهيار بعض الثقافات أو اندثارها أو انقطاعها(4)، نظراً لامتلاک الثقافة الغربية وسائل الغزو والهيمنة.
ويقتضي هذا من تربية عصر المعلومات- حفاظاً على الهوية الثقافية- تنمية الوعي بالقواسم المشترکة بين الثقافات والحضارات الإنسانية، والاهتمام بتنمية مهارات التواصل والتفاوض الثقافي، وتنمية القدرة على الإقناع وهندسة الحوار مع الآخر, والتخلص من نزعات التعصب والعنف(5). کما يقتضى هذا من التربية تدعيم الثقة بالنفس واحترام الذات وترسيخ قيم المواطنة والولاء للوطن والذود عن هويته الثقافية أمام خطر العولمة الثقافية الجارف.
وتنمية الوعي بالقواسم الثقافية المشترکة بين الثقافات, وإقامة جسور التواصل والتحاور الثقافي، ومواجهة خطر العولمة الثقافية، لا يکون ذلک إلا باستنارة عقلية کافية، وبناء تربوي سليم، تقوم به وتقوده مؤسسة تربوية متخصصة وقادرة على قيادة المؤسسات الثقافية والتربوية الأخرى وتوجيهها لبلورة فکر تربوي مستنير، يواجه تلک الهيمنة وذلک الطوفان العولمى الکاسح.
إنها کليات التربية هى الأجدر بالتنمية الثقافية ومواجهة طوفان العولمة الثقافية، لمکانتها التربوية، ولإمکان تأثيرها في المؤسسات التربوية والثقافية الأخرى بالمجتمع... فهي قاطرة التربية، والمتربعة على قمة الهرم التربوي، وصانعة أجيال المعلمين والمربين، وهي بيت الخبرة التربوية: الخبرة في تعليم الطلاب العلوم التربوية، وفي البحث والدراسة لمشکلات المجتمع وقضاياه التربوية, وفى رفع درجة الوعى التربوى والثقافى فى المجتمع, وهى المسئولة قبل غيرها عن محو أمية الأميين، بدءاً من الأمية الأبجدية، وصولاً إلى الأمية الثقافية والحضارية.
إسماعيل القاضى, سعيد. (2008). تفعيل دور کليات التربية في الحفاظ على هويتنا الثقافية أمام تحديات العولمة الثقافية. المجلة التربوية لکلية التربية بسوهاج, 24(24), 89-114. doi: 10.21608/edusohag.2008.129540
MLA
سعيد إسماعيل القاضى. "تفعيل دور کليات التربية في الحفاظ على هويتنا الثقافية أمام تحديات العولمة الثقافية", المجلة التربوية لکلية التربية بسوهاج, 24, 24, 2008, 89-114. doi: 10.21608/edusohag.2008.129540
HARVARD
إسماعيل القاضى, سعيد. (2008). 'تفعيل دور کليات التربية في الحفاظ على هويتنا الثقافية أمام تحديات العولمة الثقافية', المجلة التربوية لکلية التربية بسوهاج, 24(24), pp. 89-114. doi: 10.21608/edusohag.2008.129540
VANCOUVER
إسماعيل القاضى, سعيد. تفعيل دور کليات التربية في الحفاظ على هويتنا الثقافية أمام تحديات العولمة الثقافية. المجلة التربوية لکلية التربية بسوهاج, 2008; 24(24): 89-114. doi: 10.21608/edusohag.2008.129540