أخلاقيات النشر

تکمن أهمية البحث العلمي في إدراک الأمم أن تفوقها يرجع إلى قدرات أبنائها العلمية والفکرية والسلوکية؛ حيث تکمن فوائد البحث العلمي في تبيان المعلومات عن الإنسان، والکون والظواهر التي نحياها، وفي التغلب على الصعوبات التي قد نواجهها وطرح الحلول لها، ونظراً للمکانة التي يحتلها البحث العلمي وتتعدد الجهات المرتبطة به وتداخلها، ظهر «علم أخلاقيات البحث العلمي» الذي جاء ليساعد في تطور البحث العلمي وتنظيمه ووضع قواعد وقوانين تحکم العلاقات بين الأطراف المشارکة فيه، بما يضمن سير العملية البحثية بالمسار الصحيح لتحقيق الأهداف المرجوة ومنع أي تلاعب أو استغلال لتحقيق مصالح ورغبات شخصية، وفيما يخص العلاقة بين قائد البحث وأعضاء الفريق البحثي من طلبة دراسات عليا أو غيرهم فينبغي أن تکون قائمة على الثقة والتعاون وبما يعود بالنفع على الطرفين ويضمن حقوقهم.

مما يجدر ذکره في هذا السياق موضوع السرقة العلمية والأدبية (Plagiarism)، وهو اقتباس الباحث ونقله للمعلومات أو الأفکار من الکتب والمواقع والأبحاث دون ذکر المصدر أو المرجع المأخوذة منه ونسبها إليه دون وجه حق، ومع عصر الانفتاح والإنترنت أصبحت السرقة العلمية من أکبر المشاکل المتفاقمة يلجأ إليها ضعاف النفوس من طلبة الماجستير والدکتوراه لإتمام أطروحة التخرج، ومن أساتذة جامعيين بهدف الترقية والترفيع، وباحثين للوصول إلى الشهرة والمکاسب المادية. وللحد من هذه الظاهرة يتوافر حالياً العديد من البرمجيات والمواقع التي يمکن استخدامها من قبل جهات النشر العلمي والجامعات لتمحيص الأبحاث المقدمة وکشف أي محاولات للسرقة أو النقل من المواقع أو الأبحاث المنشورة، کما يمکن استخدامها من قبل طلبة الدراسات العليا والباحثين لتدقيق أبحاثهم وأطروحاتهم والتأکد من التوثيق الدقيق للمصادر والمراجع وعدم وجود أي خلل في الاقتباس.

        وفي النهاية فإن قواعد البحث تدعم القيم الاجتماعية المتعلقة بحقوق الإنسان والحفاظ على الثروة الحيوانية والالتزام بقواعد السلامة العامة. من الممکن عرض أهم مبادئ البحث والنشر العلمي کالآتي:

1-  الأمانة والدقة في توثيق البيانات والنتائج وتحليلها ونشرها، دون کذب أو تضليل أو خداع.
2-  عدم التحيز أو التلاعب بتصميم العملية البحثية وتحليل البيانات وعرضها.
3- الاستقامة والحفاظ على الوعود والاتفاقات؛ والسعي لاتساق الفکر والعمل.
4- الحيطة وعدم الإهمال والعمل على تقليل الأخطاء البشرية والمنهجية إلى حدها الأدنى.
5- الانفتاحية ومشارکة البيانات والنتائج مع الباحثين وتقبل النقد البناء.
6- احترام الملکية الفکرية من براءات اختراع وحقوق نشر، ونسب الآراء لأصحابها وتجنب انتحالها أو سرقتها، وعدم استخدام أي بيانات أو نتائج غير منشورة دون الرجوع إلى صاحبها.
7- احترام الخصوصية والمحافظة على سرية المعلومات.
8- النشر بهدف التطوير وإفادة البشرية وليس للحصول على مصالح شخصية فقط.
9- احترام الباحثين والزملاء في العمل، وإعطاء التقدير والشکر لمن يستحق.

10- مساعدة الباحثين وتعزيز قدراتهم وتمکينهم من اتخاذ قراراتهم بأنفسهم.

11- الالتزام بالمسؤولية المجتمعية والسعي لتطوير المجتمع وحل مشاکله من خلال الأبحاث والدراسات العلمية.

12- تجنب التميز العنصري القائم على الجنس أو العرق أو الديانة بين الزملاء أو الطلبة.
13- الالتزام بالقوانين والأنظمة التي وضعتها المؤسسات والجهات المنظمة للأبحاث العلمية.
14- استخدام الموارد المتاحة بحکمة لإنجاز الأهداف المرجوة.

15- تجنب الخضوع لمؤثرات حکومية هادفة إلى ترک البحث في شؤون عامة حيوية.

16- احترام الذات البشرية وعدم انتهاک حقوق الإنسان وکرامته عند إجراء التجارب عليه، وإدارة الأبحاث العلمية على البشر بما يضمن تحقيق أکبر فائدة وأقل ضرر ممکن. کما يجب معالجة الذوات غير البشرية والحيوانات باحترام وعناية مناسبين عند استخدامها في التجارب.

17- تجنب أي تضارب في المصالح کدعم جهات خاصة ذات أجندة أو الارتباط مع جهات ذات مصالح خاصة.

        هناک أيضاً أسس وقواعد تضبط کتابة أسماء المؤلفين على المنشورات العلمية بما يضمن حقوق المشارکين والجهات الداعمة، حيث يجب أن تضم قائمة المؤلفين جميع الأشخاص الذين ساهموا في بناء فکرة البحث أو في تصميم العملية البحثية وتحليل البيانات أو شارکوا في المراجعة النقدية لمسودة العمل، ويحدد ترتيب الأسماء بالاتفاق الجماعي بينهم، بينما يشترکوا جميعاً في المسؤولية تجاه صحة النتائج المنشورة ودقتها. أما الأشخاص الذين شارکوا بشکل معنوي في البحث ولکن لم يحققوا شروط إدراجهم کمؤلفين فيجب توجيه الشکر لهم في نهاية العمل المقدم للنشر. بما يتعلق بجهات النشر والدوريات العلمية فقد ظهر مؤخراً ما يعرف بمواقع الوصول الحر (Open Access) وهي مواقع الکترونية تصدر دوريات الکترونية متاحة بشکل مباشر ومستمر للباحثين والمستفيدين. جاءت هذه المواقع لتسهيل عملية النشر وتسريعها وضمان وصول آخر ما توصل إليه العلم إلى أکبر قدر ممکن من المستفيدين مجاناً دون الحاجة للاشتراک بالدوريات الورقية التي قد تطلب اشتراکات مالية للاطلاع عليها فتکون محصورة فقط على فئة خاصة من الباحثين. على الرغم من الايجابيات التي تقدمها مواقع الوصول الحر إلا أنها أصبحت وسيله للاستغلال المادي فمعظمها يشترط أن يدفع المؤلف مبلغ نقدي مقابل نشر بحثه، ومع تطور التکنولوجيا أصبح من السهل نشر أبحاث وهمية ومضللة أو ذات جودة منخفضة على هذه المواقع دون أن يکون هناک مراجعة وتدقيق قبل النشر، ولذا في الاتجاه نحو الإبداع واقتصاد المعرفة لا بد من الاهتمام وتأصيل البحث والنشر العلمي باعتبارها وسيلة تقدم العلم وتوثيقه وذلک من خلال تبني منظومة أخلاق وأعراف تأسس لمرحلة قادمة في مسيرة البحث العلمي عنوانها العلم والبحث والريادة والإبداع.